الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: 2015 من أسوأ سنوات حياتي

نشر في  06 جانفي 2016  (11:54)

  وأنا تلميذ في التعليم الابتدائي، كنت أختم ـ أحيانا ـ موضوع الانشاء بهذه العبارة:«وعدت إلى البيت فرحا مسرورا».. لكن اليوم، أصبح أغلب أفراد الشعب التونسي يعودون إلى بيوتهم وهم خائفون على الأمن في بلادهم وعلى نموّها الاقتصادي لأنّهم فقدوا الثقة ـ بنسب متفاوتة ـ بأهمّ الأحزاب السياسية، علما ان النهضة والمرزوقي وبن جعفر ساهموا في اركاع الدولة التونسية وفي انتشار الأسلحة والارهاب والانفلات الاجتماعي وأيضا في تفشّي دين المتطرّفين وفي تضخّم الميزانية والتعويضات «للمناضلين» من مال الشعب، في حين انشغل الباجي قايد السبسي بابنه حتى يخلفه في حزب النداء، ولم يتغيّر الكثير في ما يخصّ استقلال القضاء وفي حرية الإعلام الذي بات يتحكّم في أجزاء منه المال الفاسد والمصالح الحزبية.. اما «قفّة المواطن» فحدث ولا حرج، وفي المستقبل ستكتشفون انّ «الاصلاحات» التي تتحدّث عنها الحكومة، «اصلاحات» ستضرّ بالفقراء وبالطبقات الوسطى.. اما المديونية فهي متواصلة، علما انّ نسبا هامّة من الأجور أو الزيادات فيها متأتية من القروض!

بعد تغيير النّظام كانت أغلبية الشعب التونسي تنتظر إرساء دولة ديمقراطية فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام حكومات حزبيّة خدمت مصالحها الايديولوجية والشخصيّة، وفي المقابل اصطدم الشعب بـ:
1) ارهاب يتصدّى له أمنيون وجنود وحرس بكل شجاعة لكن في ظل قرارات حكومات ضعيفة تفتقر لإرادة قويّة..
2) قضاء تحسن نسبيا لكنه لم يقطع مع ممارسات الماضي وكلّ ذلك تحت ضغوطات الأحزاب الحاكمة التي وظّفته.. ولو لم يتصدّ عدد من القضاة الشرفاء لنفوذ الوزراء والأحزاب ولرفض مؤسّسات قضائيّة منحازة لأصبحنا تونس «جمهورية موز» اي ديكتاتورية.
3) لقد ظنّ الشعب التونسي أنّه سيتمتّع بعد التغيير بإعلام حر، لكن تمّ اركاع بعض المؤسّسات الإعلامية بواسطة المال الفاسد المحلي والأجنبي حتى شاهدنا ارهابيين من تونس وليبيا في المنابر الحوارية التلفزية كما شاهدنا ضيوفا تونسيين يحضرون الحوارات بصفة تكاد تكون دائمة، ولو لا تصدّى بعض الإعلاميين الشرفاء والوطنيين للمارسات الاجراميّة لأضحى كلّ الإعلام يخضع للمصالح الحزبيّة الضيّقة ولأموال الارهابيين والدول «الصديقة»..
4) لقد اعتقد الشعب التونسي انّ الحكومات المتعاقبة ستهتمّ بالولايات المقصاة وذلك بإشراك شبابها واطاراتها ونسائها في تقديم تصوّر لنموّ الولاية، ولكن تتالت القرارات دون أن تحقّق أحلام متساكنيها.
5) كان الشعب التونسي ينتظر نموا اقتصاديا يفوق الرّقمين (10 ٪) فأصبحت تونس قريبة من الصفر في نموّها وذلك نتيجة عدم الانضباط والكسل والاحتجاحات والاضرابات والمطلبيّة المشطّة والعمليات الارهابيّة.. أصبحنا قوما نرفض العمل الجادّ متعلّلين بالحقوق وهذه من مصائب البلاد ونوع آخر من الارهاب! لقد فشلت كل الحكومات دون استثناء في ارساء مجتمع يتمتّع بأكثر عدالة اجتماعيّة وفي الوقت نفسه يضمن لرجال الأعمال المناخ الاجتماعي الذي يطمئن المستثمرين ويجعل من العلاقة القائمة مع الأجراء علاقة (وين وين) (اي كلهم رابحون).
6) كان الشعب التونسي يتصور انّ اسلام تونس سيظلّ اسلام الاعتدال والعمل والكدّ فأصبح يواجه «دينا» متشدّدا حاول طمس الهوية التونسية وتعويضها بهوية دينيّة ظلامية.. لقد استمعنا في المجلس التأسيسي لأشخاص يدعون الى «الصلب» ولآخرين يحثّون على ختان الإناث، في حين دعا البعض من الظلاميين إلى محاربة معرض فني وشجعوا التظاهرات الاستعراضية العنيفة في القيروان! كما استمعنا لخطب «ارهابيّة» في المساجد تدعو الى العنف والجهاد! كل هذه الجرائم شاهدناها في تونس، نعم في تونس! كما شاهدنا لجان «حماية»  الثورة والمتشدّدين في صور تذكارية مع المرزوقي في   قصر قرطاج.
في حقيقة الأمر كنّا ننتظر الكثير من حزب نداء تونس لكنّه تقاسم السلطة مع حزب النهضة وفشل تماما في تطبيق برنامجه الذي انتخب بفضله! ثم شاهدنا ـ بكلّ استغراب ـ مناورات المال الفاسد والمرتزقة من أجل منصب وزير، مساهمين بذلك في احداث شروخ في «نداء تونس» وتقسيمه وتحويله الىحزب دون هوية يساند النهضة ويتغزّل بها!

والثابت انّ «النداء» وبعد فقدانه ثقة النساء وأغلب الديمقراطيين والشّباب سيصبح الحزب الثالث أو الرّابع في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة المقبلة حتى وإن ساندته النهضة في الرئاسية. ثم شاهدنا مسلسل ابن الرئيس المدلل حافظ قايد السبسي الذي (أي حافظ) سانده والده، وهو الذي يفتقر لأيّ تجربة سياسيّة! لقد أصبح حزب نداء تونس جزءا من المشكل وخلّف خيبة أمل كبرى في نفوس ناخبيه، اذ خدعهم وتنكّر للعهود التي قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابيّة.. أما على الصعيد الخارجي فقد أثبت القصر انّ «التحالف» الجديد مع السعودية سيجعل من تونس محمية دينية في حين انّ التحالف مع قطر سيجعل من بلادنا قطعة ثانوية وحقيرة في لعبة الشطرنج القاتلة! انه من الخطأ الاعتقاد بأنّ السعودية وقطر لن تتدخّلا في سياستنا الداخلية اذا قدّمتا لنا بعض القروض وبعض الإعانات!
في كلمات أقول مسكينة بلادي وبلاد كل وطني. أقولها عندما نشاهد أهمّ الأحزاب والمسؤولين السياسيين يتلاعبون بمصالحها، لكن سنواصل نضالنا بكل تواضع مع الملايين من المواطنين والمواطنات الشرفاء الأحرار حتى نقهر من يريد قهرنا وقهر بلادنا...